انتهت يوم الجمعة الماضي على ملعب فلسطين في غزة بطولة القدس لكرة القدم .. بعد أن منحتنا العديد من الملاحظات المهمة في الشأن الرياضي في غزة ..
فأولا .. كان واضحا جدا وبدليل المباراة النهائية بين فريقي الصداقة والرضوان أن حالة الشغب التي سادت ملاعبنا في قطاع غزة قبل يونيو 2007 قد تلاشت أو اختفت ، رغم ما جرى في المباراة من خشونة ومن إنذارات ومن طرد داخل الملعب ، حيث ظل المشجعون في أماكنهم رغم تململ العديد منهم . .. فلم نسمع الشتائم المعروفة والمشهورة في مثل هذا المقام ، ولم نسمع ولم نر أي تحريض من قبل إداري الناديين ولا من الجمهور للتدخل واختراق الملعب لضرب لاعب أو للاعتداء على الحكم ولم يحدث إطلاق للرصاص ولم يصب احد بسبب شجار أو بسبب هياج همجي ..
لقد سار الأمر كما لو أن شيئا لم يحدث ، ومضت المباراة حتى نهايتها آمنة مطمئنة حتى أطلق الحكم صفارته إعلانا لانتهاء المباراة بفوز فريق الرضوان على الصداقة بنتيجة هدفين لواحد ، دليلا على أن حالة الشغب التي سادت ملاعبنا قبل ذلك إنما كانت تعبيرا عن حالة أخلاقية عامة سادت أنديتنا من إداريين ولاعبين وجمهور ، وثانيا إن حالة الشغب كان ترجمة فعلية وموازية لحالة الفلتان والفوضى الأمنية التي سادت غزة بفعل عصابات أجهزة الأمن الوقائي وغيره ، وثالثا إن حالة الشغب كانت مقصودة لذاتها بهدف تكريس تفرقة الشارع الفلسطيني وشرذمته وفك لحمته الوطنية ، وأن الكثيرين كانوا مجندين لخلق هذه الحالة اللا أخلاقية ، وهنا فإن الاتهام يصيب اتحاد كرة القدم الذي احسبه المؤسس الفعلي لهذه الحالة لتوانيه عن مجابهة الشغب وعدم محاربته لها وعدم تطبيقه للقوانين والقرارات التي تحكم وتنظم رياضة كرة القدم الفلسطينية ، بل ولتشجيعه إياها من خلال اتخاذه لقرارات لا تصب أبدا في مصلحة الرياضة الفلسطينية ، ومن خلال سياساته المنحرفة عن مسار الأهداف الوطنية التي تضعها الدول لجلب المصالح في ميادين الرياضة وخصوصا لعبة كرة القدم .
وملاحظة أخرى لا يجوز المرور عليها ، ففي مقال سابق بعنوان " الرياضة الفلسطينية إلى أين ؟ " لم يعجب البعض أن أشير إلى بدء بطولة القدس عند انطلاقها بأنها انجاز ، وحيث اعتبر البعض أن مثل هذه البطولة يقام منها العشرات كل عام في الضفة الغربية ، وهنا أقول نعم ومثلها أيضا كانت تنفذ في غزة قبلا .. لكن بطولة القدس تختلف هذه المرة فمجرد التفكير بإقامتها يعتبر انجازا لأنه ضرب للحصار وتحطيم له ، ولأنه تجاوز لإرادة تجميد وشل الحركة الرياضية في غزة استهدافا لتدميرها والنيل منها ، حيث في الوقت الذي تعاني فيه الحكومة في غزة من مضاعفات الحصار الظالم بما يعنيه من نقص بل ومنع للأموال وللمواد وغياب للإمكانيات ، بل وفي عدم وجود ما يمكن شراؤه من السوق لتنفيذ البطولات والمسابقات لشحها أو لنفاذها من السوق بسبب الحصار ، أن تبدأ بطولة القدس وأن تنتهي فهذا يعتبر انجازا لا تغفله العين ولا يجب أن يمر مرور الكرام .. لأنه أيضا يشير إلى إرادة واضحة ومسئولة لدى المسئول الفلسطيني في غزة بوجوب عدم التوقف عن هدف ممارسة الأنشطة وتحقيق الانجازات في كل المجالات ..
إضافة إلى أن إقامة البطولة والنجاح في تنظيمها والوصول بها إلى بر الأمان يمثل أيضا حالة أخلاقية تهتم بالشأن الوطني الرياضي بكونه شأنا له ميدانه الواسع على مستوى العالم كله ..
وهنا يجب التنبيه على وزارة الشباب والرياضة بوجوب مواصلة الأنشطة الرياضية وتأصيلها بحيث تعود لتكون عملا شاملا يشارك فيه الجميع ويستفيد منه الجميع ، وأيضا يجب السعى وبكل قوة نحو ضرورة مشاركة الأندية التي استنكفت عن المشاركة في بطولة القدس لكرة القدم وفي غيرها من البطولات لأسباب فئوية وحزبية ضيقة أو بسبب الخوف من انقطاع رواتب المسئولين واللاعبين في حال مشاركاتهم في بطولات غزة .. لأن ذلك يعتبر من قبل رام الله تعاونا من الأندية مع حكومة غزة الشرعية التي تفضح لا شرعيتهم في رام الله .
وأخيرا فإن الرياضة تلعب في قلب السياسة وهي أمر سياسي عالمي ، فعندما يخرج العمل من كونه عملا فرديا يتحكم به صاحبه ويملك خياراته وحده إلى وضع المنظومة الجماعية التي تخرج لتتفاعل مع المنظومات المشابهة لها على مستوى العالم لتحقيق مصالح وطنية ,, فأظن هنا أن ذلك السياسة بعينها .. مما يحتم على المسئولين في الحكومة التزامات وخيارات وحيدة تسير في اتجاه واحد نحو تحقيق الذات وإثباتها في الداخل وصولا لتحقيق ذلك على المستوى الخارجي .