تعرض الكتب المدرسية الاميركية عادة الجذور التاريخية للصراع من وجهة نظر صهيونية، فتذكر ان اليهود عاشوا لأعوام طويلة يحلمون بالعودة الى "ارض الميعاد" وان الحلم قد تحقق العام 1948عندما أعلنت دولة اسرائيل، ولا تشرح هذه الكتب تاريخ فلسطين والوجود العربي الطويل فيها، والاهداف السياسية للحركة الصهيونية، بل تشير الى انه في خلال عشرين عاما بعد اعلان وعد بلفور 1917استوطن آلاف اليهود في فلسطين حيث حققوا تقدما كبيرا في الزراعة والصناعة، وان الهجرة قد ازدادت نتيجة اضطهاد النازية لليهود.
وتشير جميع الكتب الى قرار الامم المتحدة الصادرة في 29 تشرين الثاني ـ نوفمبر ـ 1947، والذي اوصى بتقسيم فلسطين الى دولة يهودية واخرى عربية باعتبار ان هذا القرار يعكس التأييد الدولي والشرعية الدولية لقيام اسرائيل، ويعرض بعضا من هذا القرار بشكل متميز سافر، فيذكر احد الكتب ان الامم المتحدة قررت تقسيم فلسطين الى نصفين فصار نصفها بلداً حراً للشعب اليهودي، وصار النصف الآخر جزءاً من الأردن.
ويلاحظ استعمال المؤلف لكلمة حر في الاشارة الى اسرائىل فقط، كما يلاحظ ان كل الكتب المدرسية تتجاهل ما حدث بعد ذلك وهو ابتلاع اسرائيل لجزء كبير من المساحة المخصصة لإنشاء الدولة العربية الفلسطينية قبل بدء الحرب في 15 أيارـ مايو ـ 1948، كما لا يشير أي منها الى النص الكامل لقرار التقسيم، والذي يتضمن جعل القدس مدينة دولية، ولا تناقش حق الامم المتحدة في تقسيم المناطق الموضوعة تحت الانتداب ومدى اتفاق قرار التقسيم مع مبدأ حق تقرير المصير بل اعتبره البعض اعظم انجازات الامم المتحدة، وأخيراً لم تتعرض هذه الكتب لدور الولايات المتحدة الاميركية في الضغط السياسي لتحرير قرار التقسيم.
ويشير معظم الكتب المدرسية، ان لم يكن كلها، الى ان العرب كانوا المعتدين، فقد غزوا "دولة اسرائيل" الصغيرة في اعقاب اعلان استقلالها مباشرة، ويذكر احد الكتب ان اليهود اعلنوا دولة اسرائيل في الجزء الذي خصصته لهم الامم المتحدة، وهذا غير صحيح تاريخياً. ففي 15 أيارـ مايو ـ 1948 وقبل أي معارك بين العرب واسرائيل كانت الهاجاناه والقوات العسكرية الصهيونية قد استولت بالفعل على مناطق من التي كانت مخصصة للدولة العربية الفلسطينية.
وتصف كتب التاريخ ردود فعل البلاد العربية لإعلان اسرائيل بكلمات مثل الحرب، والعدوان، والغصب، والهجوم والغزو، فيذكر احد الكتب انه عندما اعلنت "الامة الصهيونية" قيام اسرائيل كدولة مستقلة اعلنت خمسة بلدان عربية الحرب عليها، ويزعم آخر "ان العرب قرروا تحطيم اسرائيل الدولة الوليدة واحدى الديمقراطيات القليلة التي ظهرت في السنوات الاخيرة".
وهنا يلاحظ ان كلمة "العرب" ترتبط بعدد من التعبيرات السلبية مثل: عرض، هاجم، غزا، طرد، غصب، ألقى في البحر..الخ، بينما ترتبط كلمة "اليهود" او اسرائيل، بتعبيرات ايجابية مثل: الاستقلال، الوطن، الديمقراطية، والحرية.
فهذه المعلومات والايحاءات التاريخية المضللة والمشوهة تجعل الطالب متحيزاً ضد العرب. وهي لا تنقل لهم وجهة النظر العربية في الموضوع، ولا تناقش نشاط الجماعات العسكرية الصهيونية في فلسطين قبل حرب 1948 بوقت طويل، ولا تذكر اسباب نزوح الفلسطينيين عن ديارهم وتتجاهل كيف انهم أُكرهوا على ذلك، ولا تناقش حق الامم المتحدة في اصدار قرار التقسيم والضغط السياسي الاميركي الذي رافق اصدار القرار، كما انها تتجاهل الوقائع التاريخية التي قد تؤذي صورة اسرائيل مثل واقعة اغتيال مندوب الامم المتحدة "الكونت برنادوت" في 17 سبتمبر ـ ايلول ـ 1948 في القدس، وتكتفي بالاشارة الى انه قد قتل، بل ان بعض الكتب ألقت بتبعة قتله على الفلسطينيين، ويشير اغلب الكتب الى ان اسرائىل قد قامت نتيجة قرار الامم المتحدة، دون الاشارة الى ان قيامها كان في الواقع بالقوة واغتصاب الارض وتشريد الفلسطينيين من ديارهم. ويندر ان نجد عرضا موضوعيا يذكر وجهات النظر المختلفة، كما يندر عرض قضية اللاجئين الفلسطينيين باعتبارها مسألة اساسية لأي تسوية للقضية.